الرشد السياسي: الشباب وأسئلة التحول الديمقراطيّ في البلدان العربيَّة
عبدالله الجبور – مجلة الوعي السياسي
شهدت المنطقة العربيَّة خلال العقد الماضي تحولات كبيرة على مستوى الأنظمة السياسيَّة والاجتماعيَّة في عدد كبير من البلدان العربيَّة نتيجة أحداث 2011، التي قادها جيل الشباب عبر حراكات شعبيّة ميدانيّة ورقميّة، نتج عنها سقوط أنظمة سياسيّة وإجبار عدد كبير من الدول في الدخول إلى مسار للإصلاح السياسيّ والتحول الديمقراطيّ.
بعد مرور عقد على التحولات الكبيرة، تشهد المنطقة العربيَّة صعود جديد “للسلطوية” في أنظمة سياسيَّة عربيَّة عديدة، ربما سبب ذلك إخفاق القوى السياسيَّة بعد 2011 في اختبار التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبسبب حالة الفراغ السياسي التي صنعها جيل الشباب، أو لأسباب أخرى، الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات، من بينها: هل أغلق قوس الديمقراطية العربيَّة؟ وهل الديمقراطية نموذج مناسب للدول النامية والمضطربة؟
يمكن استخلاص دروس عديدة من تجربة العشرية التي أطلق عليه عام 2011 “الربيع العربي”، وقد يكون أهم تلك الدروس التي لم تجد مساحة كافية من المراجعة والتحليل؛ هو درس الرشد السياسي والانتقال المفاجئ نحو الديمقراطية، والذي كان من نتائجه أن الانتقال الديمقراطيّ قد حدث بشكل مؤقت داخل الأنظمة السياسيَّة، أي أن الدَّولة لم تنتقل إلى الديمقراطيّة؛ وإنما النظام السياسيّ هو الذي تغيَّر، مع بقاء مفاتيح السلطة بيد الدولة العميقة، وكأن الديمقراطية “أكلت نفسها” بحسب وصف أيمن البوغانمي، الأمر الذي يطرح مجموعة من التساؤلات حول “وعود الربيع العربي” وجدوى التغيير السياسي، وجدوى الديمقراطية من زاوية نظر جيل الشباب بوصفه عنصر الفعل الأبرز في ذلك الحراك، وهدفه ومراده.
قبل أن تشهد المنطقة العربية احتجاجاتها عام 2011، توصَّلت مدرسة الواقعيّة السياسيّة إلى أن الديمقراطيّة لا يمكن إقامتها بسهولة في البلدان الفقيرة والنّامية، وقد جادل صامويل هنتنجتون بأن التّحديث السياسيّ ضرورة لنجاعة التّنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة.
بعد عام 2011، انطلقت الاحتجاجات مدويّة في معظم البلدان العربيّة، وكأن نبوءة فوكوياما تلميذ هنتجتون قد بدأت تتحقق فيما أسماه (نهاية التاريخ) عندما تنتصر الديمقراطيّة أخيرًا على منافسيها، ولكن النتيجة بالنهاية كانت تفوُّق الأستاذ على التلميذ، حيث هيمن المطلب الاقتصادي على الاستقرار السياسي، خصوصًا في ظل تأثير العامل الخارجي على مسار الانتقال مقارنة مع العامل الداخلي.
وبالرغم من صعود “قوى سياسيّة جديدة” إلى السّلطة، إلا أن التمثيل السياسي لجيل الشباب كان ضعيفًا، وأصبحت العلاقة بين القوى السياسيّة الجديدة وجيل الشباب، علاقة مأزومة مضطربة، وانعكس ذلك عمليًا في ابتعاد الشباب عن الفعل السياسي التقليدي المنظّم والانتقال إلى الى الفعل الحركي الشبكي غير المنتظَّم، والذي يمتاز بسرعة صعوده وهبوطه وتغير فاعليه، وبالنسبة لجيل الشباب بشكل عام، الاحتجاجات التي انطلقت عام 2011، لم تنتهِ بعد، لأن عوامل اشتعالها لا تزال قائمة، وستكون أرضيتها خصبة في الدول المضطربة اقتصاديًا وسياسيًا، وفي الدول التي يخضع قرارها السياسي إلى مصالح مؤقتة، كذلك في الدول التي تصادر حرية التعبير السياسي.
لم ينتج عن الانتفاضات العربية مجرد تغيرات واضطرابات في السياسة الداخلية، بل أدت أيضًا إلى تغيير ميزان القوى الإقليمي في الشرق الأوسط فيما يسمى بـ “الدول المعادية للثورة” والدول المؤيدة لها، ولعل أهم عناصر إخفاق الانتقال الديمقراطي وفقدان حيويته، إهمال المحور الاقتصادي والاجتماعي في الأنظمة الجديدة، إضافة إلى إقصاء “رأس المال الديمقراطي” وهو جيل الشباب الفاعل المجدد لمشاريع الانتقال الحيوي نحو الديمقراطية.
بالعودة إلى عامل الرشد السياسي، هل أصبح من الواضح الآن أن ازدهار الديمقراطية لا يتحقق بمجرد الاعتقاد بمبادئها وأن الممارسة الزائفة للديمقراطية تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي في البلدان النامية؟ هل أصبح من الواضح أن البناء الديمقراطي يحرس المشروع الاقتصادي من الفشل؟ هل أصبح من الواضح أن الديمقراطية الفاعلة تشكل منعة داخلية في مواجهة الجبهات الخارجية وتحمي سيادة الدولة؟ هل أصبح من الواضح أن جيل الشباب هو العنصر الأهم في التحول الديمقراطي ويمكنه عرقلته وإفشاله كما يمكنه ضمان نجاحه؟